-A +A
جبير بن محمد بن جبير
من السهل أن تقوم أية دولة ببناء رمز أو معلم حضاريٍ بارز تفخرُ به.. فكل ما تحتاجه بضعة دراهم وخبرات بشرية من هنا وهناك، وقليل من الوقت، لكن عندما يكون هذا الرمز إنساناً فالأمر يختلف تماما. لقد تعلمت قديما من بعض نظريات اقتصاديات التعليم أن أعلى التكاليف التي تدفعها الدول هي التي تستثمرها في مواطنيها.. حيث تبدأ الدولة في الصرف والرعاية المتكاملة (صحيا، واسريا، وتعليميا،... الخ) لجميع أفرادها منذُ ولادتهم إلى أن يصل عدد محدود جدا منهم إلى مكانة ما «علمية أو عملية». لذا حرِصت الدول المتقدمة على اكتشاف النابهين والترصد لأبناء الدول النامية بالذات واقتناصهم، فمهما دُفع لهؤلاء من مزايا مالية وحوافز معنوية فإنها لا تُعد شيئاً يذكر مقارنة بما تم إنفاقه عليهم من قبل الدولة الأم.
كما أن تكلفة إنجاب المبدعين مهما علت لا تُذكر عندما تعمد دولة ما في خلق رمز كبير من أبنائها يفخر الوطن والمواطنون به، لكن مشكلة هؤلاء الرموز تتركز حين تحل بأي منهم نائبة.. فيكون وقعها كالكارثة بكل المقاييس، فينشأ عن ذلك فراغ يقاس بحجم ومكانة ذلك الرمز، مما يجعل تعويضه من الصعوبة بمكان على مستوى القيادة.. هذا من جانب، ومن جانب آخر يكمن في تقبل العوض أو البديل عند عامة الناس. وبفضل الله لم تكن المملكة في يوم من الأيام بلداً عقيماً في إنجاب المبدعين من أبنائها وبناتها، بل العكس عُرف عنها أنها بلد ولاد للكفاءات والرموز الوطنية والأعلام في كافة العلوم والفنون الذين تجاوزوا بشهرتهم حدودها الجغرافية وأصبحوا رموزا للأمتين العربية والإسلامية. لكن عندما تصاب المملكة بفقدان رجلٍ من أهم رجالاتها على مستوى الأسرة الحاكمة وعلى المستوى الوطني وعلى مستوى الأمتين العربية والإسلامية كأمير مكة الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز -رحمه الله واسكنه فسيح جناته- فإن مصاب المملكة جلل والخطب فيها عظيم، فمن منا لا يعرف قيمة وأهمية ذلك الإنسان العطوف السمح والحاكم القوي الحازم.. لقد منّ الله عليه بأن جمع ثلاث خصال قل أن تجدها في رجل وهي: الهيبة والمحبة والاحترام.

Dr.jobair@gmail.com